من أهم ركائز التزكية عند الصوفية التلقي عن الشيخ المرشد، فلابد لكل من أراد سلوك الطريق من شيخ يدله عليه ويرشده إليه ويضع له العلامات الهادية ويحذره من المزالق والمهالك التي قد تعترض طريقه، وعندهم لا يستطيع المكلف أن يزكي نفسه بمجرد قراءة القرآن والاطلاع على السنة ما لم يكن له شيخ يداوي علل نفسه!! كما قال عبدالقادر عيسى في -حقائق عن التصوف ص 54-: فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة الشخصية المثالية شخصية رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والإطلاع على أحاديث الرسولصلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلابد معهما من طبيب يصف لكل داء دواءه، ولكل علة علاجها.
قارن - أخي القارئ - بين هذا الكلام الأدلة الشرعية التي تدل على أن القرآن الكريم والسنة المطهرة علاج لأمراض القلوب والأبدان، كما قال عز وجل: -يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين-.
قال الشيخ ابن سعدي: هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ما يوجب للعبد الرغبة والرهبة، وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير والرهبة عن الشر، ونمت عندك هذه الرغبة والرهبة أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه.
وأيضاً فإن العلم بالسنة المطهرة شفاء لأمراض الجهل والشبهات، كما جاء في حديث صاحب الشجة الذي أفتاه أصحابه بالغسل فاغتسل فمات، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: -قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال-.
قال ابن القيم: فلا يخرج مرضه - أي القلب - عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما، وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم.. ولاشك أن رأس العلم وأساسه العلم بكتاب الله وسنة نبيهصلى الله عليه وسلم.
- حكم اتخاذ الشيخ المرشد:
اتخاذ الشيخ المرشد واجب عيني عند الصوفية، كما قال الطيبي: فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخاً له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه! ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولاشك أن علاج أمراض الباطن واجب. فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخاً يخرجه من كل ورطة! وإن لم يجده في بلده أو إقليمه، وجب السفر إليه -حقائق عن التصوف ص 95-.